لوزة
(١)
كانت صغيرة بحجم راحة اليد، مغمضة العينين، يوحي فراؤها المنقوش أنها دمية تعمل بالبطاريات. لكن انكماشتها في الحد الممتد من رأسها لذيلها كان دحضا لفكرة الدمية الصغيرة. على السلم كان يصعد بصعوبة تسمع صوت تنفسه قبل أن يمد المفتاح للباب، يضع الأكياس البلاستيكية منادياً الصغير أن يفرغ كل منهم في الثلاجة، يبدأ بشكوى الظهيرة تجاه لا مسؤوليتهم، وإرهاقه، وعجزه عن أن يكون متعهد كل مهام الأسرة وحده.
يخفت صوته وتزداد تأوهاته من آلام الظهر، ثم يكمل طريقه للمطبخ. توحي حيات البطاطس في الطبق أنه على وشك إعداد صينية البطاطس الشهيرة- بطاطس الجيش- كما أصبحت تعرف فيما بعد أو يكتفى بإلحاق اسمه بها، كما تلحق صينية الكوسة باسم أخيه. يراه الأكبر فيتذكر هذه الحقيقة فيقرر لف بعض شطائر الجبن للنجاة من رحى الجوع ومطرقة صينية البطاطس السالفة. يفتح باب الغرفة فتموء لوزة ويكتشف أبوه وجودها، وتبدأ المواجهة.
(2)
فيما كانا منهمكين في الجدال حول ضرورة ذهاب لوزة ومحاولاته استبقاءها، لم تحظ هي بأي دعم سوى من الصغير، الموكل بكل المهام الصعبة، يحاول أن يسقيها بعض الحليب ويربت على رأسها بأصبعين. من خلفة وقفت هي تواجه شبح الحساسية والطهارة و الخوف الذي لا يبدو مبررا في حين ما زالت القطيطة في مرحلة الفراء الساكن. أوحى ابتعاد الأصوات أن الحكم قد صدر، وأوحى وجهه المنتشي أنها ستجبر على مشاهدة الدمية تكبر وتخمش وتقضم. حاولت أن تعترض فقربها من وجهها منهيا النقاش ( دى طفلة رضيعة هترمي قطة رضيعة في الشارع للقطط الكبيرة تضربها، انتى متوحشة). كانت حجته قوية وكان علي أحدهم أن يطعمها حين يخرج،وللغرابة زادت هذه الواحدة على مسؤوليات الأب المنهك. يتأكد أنه سلق بيضتين ووضع الزيادي في متناولها، ويؤكد على الصغير أن يتابعها كى لا تفتح الشرفة وتقفز منها.
(٣)
كبرت لوزة وطالت أظافرها، وأتقنت الجري بين مقامها في الشرفة وغرفة أبيه، تميز صوت المفتاح كما يميزونه جميعا فتقفز على كل شيء علها تظفر بشريك في اللعب. يضع أكياس الطعام البلاستيكية وينادي الصغير، لكن لوزة تقاطعه وتقفر حوله قبل رثاء الظهيرة، يرتبك. ويأتي لها ببعض الحليب. لا تشرب ولا يفهم هو مرادها فيبدأ في سؤالها عما تريد كما لو كانت ستجيب. " عايزة ايه يا لوزة انا مش حطتلك الاكل" "روحي للعيال يلعبوا معاكي". تستمر القطيطة في التمسح بكعبه، إلى أن يتجرأ ويرخي كفه يلمس فرائها المشعث .. . تستكين إذن وتكمل قفزاتها بحبور.
(٤)
كبر الصغير بما يكفي ليشاركهم رحلة طلب السحور، وانتظار الطايور الطويل أمام عربة الفول وبقالة الجين الكبيرة في العباسي، السوق فارغ إلا من الدهاليز المؤدية لسوق السمك حيث باعة الأجبان والمعلبات، فقد فرغ مريدو الياميش والخزين في الصباح من حاجتهم.
تتكرر الرحلة كل يومين أو ثلاث .. حتى انتصف الشهر الكريم ودنت عشره الأواخر … ومعهم أصبح موضع الكرسي في الشرفة ثابت .. وكذلك النداء اليومي بحثاُ عن الأب قبل الأذان .. " رااح فين " ترن مفاتيحه مصطدمة ببعضها وراء الباب وينظر لوجوههم المندهشة من وراءه، مجيباُ بخرج ( لوزة كانت زهقانة قلت أنزلها تلعب شوية في الشارع ).
(٥)
انزوى الصغير بجوارها بعد الشروق، تحكي له عن ليلة السابع والعشرين وكيف كان الحشد في المسجد، متململاً كان يسمع ثم قاطعها مشيراً لكرسي الشرفة " تفتكري ايه الي خلاه محب للحيوانات فجأة كدة؟"
تفكر أن عيناه كحيلتان منذ ولد، ولا يشبه أى منهم، وأنها لم تعترف أنها كان تحب الساعات التي تعتقل فيها بالبيت لرعايته رضيعاً إلا له هو بعد سنوات. كانت تحب أصابعه الصغيرة اللينة، و العجائب التي تفعلها له كأن تفتح فمه وتهرس فيه البسكوت والزبادي، أن تعلمه حرف ينطقه كغرير عصفورة ثم يتضح شيئا فشيئا كل يوم حتى يصير الحاء ( أأ ) لكنه يعني انه يسمعها ويفهمها الآن ،ثم ينطق اسمها أول ما يقول - مشوهاً- لكنها تعرف أنه يقصدها. يجيب على اسمه لما تنادي، و يمسك الأشياء ولا يسقطها الأن بعد عدة أشهر
" بتفكري في ماهية الكون والإنسان !" تقول أي شيء عدا الاعتراف بأنها كانت تحب حقيقة أن كيانها المحدود في العالم قادر على رعاية آخر يمتن لفعله، ولو بضحكة بلا أسنان كلما يراها، أو يد لا تنام إلا لو قبضت على إصبعها.
" أظن أن الأولى أن تسأل لم يشعر تجاهها بالذنب والتقصير كذلك، ربما ستعرفه على حقيقته ساعتها، وتري ما وراء الحسرة مما يعجز عنه"
كانت صغيرة بحجم راحة اليد، مغمضة العينين، يوحي فراؤها المنقوش أنها دمية تعمل بالبطاريات. لكن انكماشتها في الحد الممتد من رأسها لذيلها كان دحضا لفكرة الدمية الصغيرة. على السلم كان يصعد بصعوبة تسمع صوت تنفسه قبل أن يمد المفتاح للباب، يضع الأكياس البلاستيكية منادياً الصغير أن يفرغ كل منهم في الثلاجة، يبدأ بشكوى الظهيرة تجاه لا مسؤوليتهم، وإرهاقه، وعجزه عن أن يكون متعهد كل مهام الأسرة وحده.
يخفت صوته وتزداد تأوهاته من آلام الظهر، ثم يكمل طريقه للمطبخ. توحي حيات البطاطس في الطبق أنه على وشك إعداد صينية البطاطس الشهيرة- بطاطس الجيش- كما أصبحت تعرف فيما بعد أو يكتفى بإلحاق اسمه بها، كما تلحق صينية الكوسة باسم أخيه. يراه الأكبر فيتذكر هذه الحقيقة فيقرر لف بعض شطائر الجبن للنجاة من رحى الجوع ومطرقة صينية البطاطس السالفة. يفتح باب الغرفة فتموء لوزة ويكتشف أبوه وجودها، وتبدأ المواجهة.
(2)
فيما كانا منهمكين في الجدال حول ضرورة ذهاب لوزة ومحاولاته استبقاءها، لم تحظ هي بأي دعم سوى من الصغير، الموكل بكل المهام الصعبة، يحاول أن يسقيها بعض الحليب ويربت على رأسها بأصبعين. من خلفة وقفت هي تواجه شبح الحساسية والطهارة و الخوف الذي لا يبدو مبررا في حين ما زالت القطيطة في مرحلة الفراء الساكن. أوحى ابتعاد الأصوات أن الحكم قد صدر، وأوحى وجهه المنتشي أنها ستجبر على مشاهدة الدمية تكبر وتخمش وتقضم. حاولت أن تعترض فقربها من وجهها منهيا النقاش ( دى طفلة رضيعة هترمي قطة رضيعة في الشارع للقطط الكبيرة تضربها، انتى متوحشة). كانت حجته قوية وكان علي أحدهم أن يطعمها حين يخرج،وللغرابة زادت هذه الواحدة على مسؤوليات الأب المنهك. يتأكد أنه سلق بيضتين ووضع الزيادي في متناولها، ويؤكد على الصغير أن يتابعها كى لا تفتح الشرفة وتقفز منها.
(٣)
كبرت لوزة وطالت أظافرها، وأتقنت الجري بين مقامها في الشرفة وغرفة أبيه، تميز صوت المفتاح كما يميزونه جميعا فتقفز على كل شيء علها تظفر بشريك في اللعب. يضع أكياس الطعام البلاستيكية وينادي الصغير، لكن لوزة تقاطعه وتقفر حوله قبل رثاء الظهيرة، يرتبك. ويأتي لها ببعض الحليب. لا تشرب ولا يفهم هو مرادها فيبدأ في سؤالها عما تريد كما لو كانت ستجيب. " عايزة ايه يا لوزة انا مش حطتلك الاكل" "روحي للعيال يلعبوا معاكي". تستمر القطيطة في التمسح بكعبه، إلى أن يتجرأ ويرخي كفه يلمس فرائها المشعث .. . تستكين إذن وتكمل قفزاتها بحبور.
(٤)
كبر الصغير بما يكفي ليشاركهم رحلة طلب السحور، وانتظار الطايور الطويل أمام عربة الفول وبقالة الجين الكبيرة في العباسي، السوق فارغ إلا من الدهاليز المؤدية لسوق السمك حيث باعة الأجبان والمعلبات، فقد فرغ مريدو الياميش والخزين في الصباح من حاجتهم.
تتكرر الرحلة كل يومين أو ثلاث .. حتى انتصف الشهر الكريم ودنت عشره الأواخر … ومعهم أصبح موضع الكرسي في الشرفة ثابت .. وكذلك النداء اليومي بحثاُ عن الأب قبل الأذان .. " رااح فين " ترن مفاتيحه مصطدمة ببعضها وراء الباب وينظر لوجوههم المندهشة من وراءه، مجيباُ بخرج ( لوزة كانت زهقانة قلت أنزلها تلعب شوية في الشارع ).
(٥)
انزوى الصغير بجوارها بعد الشروق، تحكي له عن ليلة السابع والعشرين وكيف كان الحشد في المسجد، متململاً كان يسمع ثم قاطعها مشيراً لكرسي الشرفة " تفتكري ايه الي خلاه محب للحيوانات فجأة كدة؟"
تفكر أن عيناه كحيلتان منذ ولد، ولا يشبه أى منهم، وأنها لم تعترف أنها كان تحب الساعات التي تعتقل فيها بالبيت لرعايته رضيعاً إلا له هو بعد سنوات. كانت تحب أصابعه الصغيرة اللينة، و العجائب التي تفعلها له كأن تفتح فمه وتهرس فيه البسكوت والزبادي، أن تعلمه حرف ينطقه كغرير عصفورة ثم يتضح شيئا فشيئا كل يوم حتى يصير الحاء ( أأ ) لكنه يعني انه يسمعها ويفهمها الآن ،ثم ينطق اسمها أول ما يقول - مشوهاً- لكنها تعرف أنه يقصدها. يجيب على اسمه لما تنادي، و يمسك الأشياء ولا يسقطها الأن بعد عدة أشهر
" بتفكري في ماهية الكون والإنسان !" تقول أي شيء عدا الاعتراف بأنها كانت تحب حقيقة أن كيانها المحدود في العالم قادر على رعاية آخر يمتن لفعله، ولو بضحكة بلا أسنان كلما يراها، أو يد لا تنام إلا لو قبضت على إصبعها.
" أظن أن الأولى أن تسأل لم يشعر تجاهها بالذنب والتقصير كذلك، ربما ستعرفه على حقيقته ساعتها، وتري ما وراء الحسرة مما يعجز عنه"

Touching..... Yet unrefined 😛.
ردحذفDear Brother , go refine your Shakespearean life
حذفمظلات البلكونات »اشتر مظلات البلكونات بأسعار منخفضة
ردحذفشراء مظلات شرفة كهربائية بأسعار منخفضة من الشركة المصنعة وتوفير. صنع في ألمانيا شحن مجاني صنع حسب المقاس
See More:- الشرفة