يضيق صدرى

(الغربة ناقص واحد) "2"
يضيق صدرى ...  يلتئم على غصص ملتوية ويفيض حزناً
 
(1)

اعتدت أن أدير ظهرى وأسير، أن أرى بالغد فسحة ما،  وألا أقع فيما لم تختطه يداى.
ولكنى لم أحسن أن أتخفف أبداً. كنت أسير وأجر ورائى خيبات غيرى إلى أن كبرت كفاية وأصبحت لى خيبات مكتوبة بإسمى. لم أسامح نفسى على شئ ولم أدع فرصة أكلل فيها رأسها بذنب ما ولم أفعل.

تأقلمت نفسى فجعلت للقلب بابا خلفياً مدخله عند الظهر تماما، فمن كان فى ظهرى ولج ولم يخرج.

(2)

أكتب لأورى وألمح و أضمن مساومة مقبولة مع أسرارى، أنا ألغزها وأخبرها علي عجالة، وهي تصمد ولا تمزق ضلعي.  أتحلي بالشجاعة اللازمة لأقاتل ولكن جبنا يمتلكني  وقت الانسحاب. رأسي هو مأساتي وانسدت الطرق بيننا، حتي كسره لم يعد يجدي.

(3)

أفر يا سيدي من تأدية الحقوق إلي الهجر الجميل ، وبينهما سنوات من الغزل علي وجع.

 حاربت يا سيدي الغائب .. صارعت السموات والأرض و انهزمت. يعوزني الآن كتف يحتمل توكأ بخفة، لهنيهة فحسب أقوى بعدها علي مسير. صالحت كرب الدنيا الآن ولم يعد بي طمع في ظهر يكفيني مؤونة أو يحمل ضعف .

 ضمير المخاطب يحملنا دون تعب، فحين  تذهب الأفلاك التي درناها  يمكنك أن تسكب  ماء قلبك وتوجهه إلي " أنت ". ستمنحك " أنت" فرصة لتحكي..  لكن لن ترد عليك. لن تربت علي دمعك ولن تخبرك بأنك لست علي هذا السوء.

(4)

 يعوزني الرفيق الذي يمضي معي لأهتدي، يكن لكسرى أبا يقبله دون شرط. يحمل بياضا في قلبه يكفي لأغتسل منه.
" يرفع لكل غادر لواء يوم القيامة ويقال هذه غدرة فلان." أكبيرة غدراتي يا رحمن حد ألا أعرفها؟. تمتلئ نفسي حين ترى نقصا وتكمله، ثمة  قبح فتجمله، تسبقني يداي  لترفع عن كل ذى ثقل، و من سعة ما في القلب تحمل عنه.

لم تفهم ما الزائد في دأبها حين يتعجبها الناس! ولم تصدق عنها صفة الجدعنة حتي الجأها الجبناء. ثم ما الغدر؟.  لي أنا كان  الرسوب فى اختبارات الشدة.

(5)

منذ سنوات كانت لي رفيقة تشبهنى حتي في تعاريجي، وعند  حاجة يوم حزن غادرت كغريبة ولم تعد.

وك"نفسي"  لم أوصد الباب ورعيت  أشيائها   داخلي.  جلست جوار المدخل  دهرا،  وفي يوم  خبا الضوء في مستقرها.. قمت.. وتركت أخر  قطعة حلوى _ بقيت منها_  في المنتصف كيلا يزورنا البغض.
وكغريبة غادرت _عند حاجة يوم حزن_  لم أبك وٍردها الذي مات تلك الساعة.

في المنتصف مني يا سيدي حاولت مغالبة العرج وأن أتخذ عصا اتوكأ عليها. سألته "لا تذرن فردا"،  و ألقيت علي كل صاحب محبة مني. توسلت و سألته "أخا يشدد به أزرى ورفيقا  أشركه في أمره".

فكان أن صرع القضاء الدعاء. وساعة الكسر..  لم يسلم لي أحد.


(6)

كنت يا سيدي  أحب جدارها من بين الخلق،  فأقمته ولم اسألها عليه أجرا، فلما اكتمل أفسحت لي جوارها واعتذرت عن ضيق ذات اليد .

قالت لي:" لا  تعطين فيضيق من حولك أن لك يد عليا". لم أفهم كيف للأخ يد تعلو وتهبط؟. أليست تقبض كف أخيه مشغوله بحاجته؟.  قالت:  يضيق المرء حين لا يعطي، وقد يحب ألا يعطى ! لم أفهم كيف يطلب الإخاء من لا يعاضد أخاه و بأي قلب يسأله التأسّى في البخل؟

كانت تسير فى أخر طريق ما، وذهبت أخذ بيدها، حين أمسكتها عرفت فى يدى هوناً، وقال لى ملاكى الحارس أن اليدان تكملان نقص الواحد فلزمتها. كانت عند كل انحنائة تفلت يدى فأرتبك ، ولما أقع تتردد، تأخذ تنظر لى وتنظر لطريقها. كثيراً ما تركتنى وأكملت الطريق.


كانت فى كل صباح تمتدح صبرى وسعة صدرى وقدرتى على الغفران والبدأ من جديد، وكنت كلما أفعله معها حين تعود تذمه وتعيد تسميته بأقبح الصفات.
كان لها أن تصفعنى ثم تبكى حين تفعل. تستمر بالنشيج حتى أهدأ من روعها ، أسامحها بذاك الصبر فتصفعنى من جديد وتسبق بالبكاء. كنت أفتح شباكا ما كل عهد نضربه ثم تأتى هى وتدقه مزلاجه بعنف. كرهت صبرى يا سيدى وضاق صدرى فلم يعد يترك لى أن أضع به مثقال ذرة بعد.

(7)

كنا في الصباح وكان مفتتح كلامه « يا ست البنات كيف قلبك؟» حكيت له،  فضحك وقال: الجنة مش ببلاش والنفس أمارة ، من كان له أخ فليلزمه ويسد نقصه. قلت: ونقصي؟ فصمت وتركني علي أن يعود.  

أنت تعرف يا سيدي أنه لم يعود و أنها لم تصبر علي فراق أخويها فلحقتهم. ترك الشيخ القرآن كله وقرأ من قوله " فلم يكن له من شافعين ولا صديق حميم، وأتبع ب ياويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا".
نزلت الدرج وعبرت الصفوف حتي بلغتها ..  أزحت الغطاء الأبيض المعقود.. طبعت وجهها علي ناظرى قبل أن يسحبوني.
لم أقبلها.

(8)


أحمل حيرتي يا سيدي حتي ملأت صدرى وابتلعت جوارحي، ألبس ثوب الحيرة وحذاءاً منها و حجاباً أطيله ما استطعت كى يستر الخزى في صدرى. أخشي إن أفتح فمي أن ينكشف مني بعضى فيراه الناس وهم غادون.

العون يا سيدى، لم أطلب سواه في هذا الضيم فادع لى. اذكرنى بأن يشدد الله أزرى و يشركنى في أمرى بمدده. أن يشد عضدى بقوة من روحه. ذلك الذي جرت به المقادير علينا يا سيدى لم يهونه الغياب ولا الحساب. لكن يشق في عظمه و ينسل من لحمه إن كان فرداً ليس له-في الدنيا-  من شافعين ولا صديق حميم.

أصبح بذات الوتد الذي أحدثك عنه كل حزن، له طرف مدبب وهو أثقل من أنزعه وحدى.

ادع لي يا سيدى أن يجعل في قلبي قِبْلةً وفي ظهرى شِدّةً ومن الجنة طائراً يهمس لي كلما غاب رفيق و انحنيت. يوصل وصلي وحيرتي إلي البعيد و يُسَکِّنَنِي.    

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Chevening Scholarship Arabic Guide

Chevening Scholarship Interview Guide

IELTS Passing Brief guide