لمضة زيها



(1)

" ومن دلائل رحمة الله غفرانه الذنوب جميعها بتوبة صادقة ، ولنا فى قصة الرجل قاتل المائة عبرة ، وفى جهل العلماء الذى كاد يودى به ويقطع بألا توبه له عظة فى ألا سلطان على جنة الله وناره إلاه"

تسرح فى المعنى الكبير الذى حفظته كله عن ظهر قلب بحركات اليد وخلجات الوجه وربما تعيده على مسامع الأقران فى درس التربية الدينية فيعجبون أنى لها أن تعرف هذه الأخبار.

تعبث فى الفستان  الأسود وأطرافه الموشاة بالورود وتقول لنفسها أنها ستكبر يوماً وتصير مثل أمها تجلس هكذا تحدث جموع الناس بسلاسة وثقة وتعرف الكثير من الأشياء دونهم.

" ماشى وبعدين .. ها ؟" يتململ الصغير وهى تعيد على مسامعه الحديث القدسى عن قصة أول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة العالم والمنفق والمجاهد.

تعرف الآن أين سمعت القصة للمرة الأولى، كانت بعد صلاة الفجر فى جلسة تضم ثلاثتهم -دون الصغير الذى لم يولد- تقرأ هى من الكتاب الكبير ذى الأوراق المصفرة والغلاف الغائب وتتململ من شرح الأم للحديث الذى تفهمه وتود الإنتقال للذى يليه.


(2)

"ما الذى يريده هذا الرجل من كل هذا الحديث حول البطة!!" كانت المسرحية الكلاسيكية باهتة شديدة الكأبة والملل ولكن المتعة كمنت فى كونها إحدى كتب الكبار التى أمكن التسلل لمكانها من المكتبة.

يشغلها أخضر الغلاف عن التفكير فى شعرها الذى قصته أمها مجدداً عند مدام عفاف فى أخررحلة، تملأها النشوة حين تنتهى أخر صفحة  (الآن قرأت أول كتاب كبير فى حياتها 4 سنوات وستة أشهرلن تنسى هذا الرقم)

"د. لميس الجافى من أشد أساتذة الكلية، وهى تفضل هذه الرواية بشكل خاص فحاولى ألا تصطدمى بتوقعاتها فى أول خطواتك الجامعية"
ترفع الكتاب لتحمى رأسها من شمس المنيا الحارقة .. ستمتلأ الأيام بهيثكليف وكاثرين فى هذه الممرات شبه الخالية من الحياة، بعد ثلاثة عشر عام من كونها "ثان كتاب كبار أقرأه  ".

 تحاول أن تتبع نصائح أمها ولو لمرة واحدة ولا تقول كل شئ تعرفه. لن تخبرها أنها كانت على حق فى توجيهها لقسم اللغة الإنجليزية.


(3)

" طبعا لازم تطلعى لمضة ما انتى بنتها!"

المدير يعيد على مسامعها فى مكتبه أن أمها كانت تفعل كذا وكذا و أن هذه القراءة كان يمكن أن تكون أفضل لو راجعتها معها قبلاً.

أ.منال تعلق على الفقرة بأنها "زى بتوع النايل تى فى" فتعلل أ.مها أنها طالعة لأمها بترطن.. .

تعيد الفتاة السؤال " يعنى أحسن مخارج الحروف والإلقاء إزاى؟ سامعانى ؟ " تعدل الكليشيه الطويل الذى أجابت به لسنين إلى "الحقيقة مش عارفه أنا مكنتش بعمل حاجة دى وراثة مش أكتر من أمى"


(4)

تسألها ماذا يحدث لو فتح أحدهم الغسالة أثناء عملها " أصل نهال كانت عملت كده مرة" فتجيب ببساطة أنها "ممكن تتكهرب". تحمد الله فى سرها أن هذا لم يحدث و أن أمها شربت الخدعة هذه المرة أيضاً.


ترتشف كئوس الملحمة العظيمة على الطريق الزراعى بصحبة العدد الثانى من سلسلة فارس الأندلس، وتثنى على اختيار البلوزة الوردية. اختيار مناسب تماماً لأول رحلة للعاصمة بمفردها.

تصعد المترو من محطة الزراعة وتستمتع بحفظ خط السير، تكتب فى الدفتر أن المحطات من شبرا حتى رمسيس لونها أزرق فى أبيض والأوبرا يسهل تمييزها بجدارية عازفة الهارب الفرعونية ثم يتغير اللون إلى الأصفربدءاً من الدقى... ويعود للأبيض من أم المصريين.

تعدل المايك ولا تتردد قبل الإجابة "الحقيقة أنا ممتنة لكل المشاكل الى مريت بيها وانها علمتنى الحياة بالطريقة الصعبة"

" من الطبيعى أن كل فتاة تعانى من قيود أهلها على حركتها واختياراتها فكيف تجاوز..
" أنا تجربتى مختلفة شوية لأنى تقريباً معشتش قيود، أهلى ادونى الحرية تماماً زى أخواتى الولاد بالضبط وسابونى اخبط وأتعلم وهم بيراقبوا من بعيد.."

الحقيقة أمى صاحبة الفضل ف كل حاجة حققتها.


(5)

قالتها أخيراً بكل صدق وتصالح. لم يكن شئ ليكون لو منعتها قبل أن تقترف أول مصيبة. لم تكن لتعرف لو أخبرتها كيف تحلها من بعد.
مازالت تحفظ بعض صفحات الأجندة البنية الصغيرة وخطوط الرصاص الدقيقة عليها وتقارنها بما حفظته بعدها من أشعار.

لم تكن قصة توجد لو أبعدت الأستاذة تلك الطاولة البنية التى صعدت عليها خلسة إلى رفوف المكتبة.



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Chevening Scholarship Arabic Guide

Chevening Scholarship Interview Guide

IELTS Passing Brief guide