شوية مية

" هاتى شوية ماء من دول يا بنتى الله يسترك " هكذا بدأت حديثها, أمرأة ستينية لا يمكن التعرف على ملامح وجهها من كثرة ما جال عليه الزمن ودار وأبى أن يبارحها الا مخلفا خطوط الشقاء عميقة غائرة فى كل ثنايا وجهها.

ارتوت أم أيمن وبدأت فى حكى قصتها دونما طلب منك أو تكلف منها -ككل الطيبات-, " أخوكى أيمن هرب من الجيش 6 شهور, وأنا أخبرته أن عليه العودة ومازلت به أصبره أن عليه أن ينهى خدمته فذاك وطنه وبلده من لها غيره, حدثت قائده ف الكتيبة بكيت له وتوسلت هو ولد وحيد, وأقسمت عليه بجاه النيى والأولياء كلهم أن يقبله ولا يرد شفاعتى, وذهبت معه أوصله للكتيبة فى طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوى -محاولة تذكر الإسم طويلا ثم عدلت-, ركبنا 3 مواصلات لا أذكر اسمها المهم أن لا يضربوه يا ابنتى فهو ضعيف البنية طوال عمره, وعدنى الباشا اللواء وهو رجل عظيم لا أحسبه يخلف وعدا, بارك الله فى ذريته ورفعهم, أنا من قرية حول الحفير ببلقاس سأصل المنصورة وأستقل سيارة لبلقاس ثم الى الحفير, فى يوم عادى كنت لأكون فى غطائى الأن فأنا كبيرة على هذا السفر, ولكن ماذا أفعل لو يعلم الإبن ما يفعل بأهله, ختمت حديثها قائلة " الضنا غالى يا بنتى ".

 أرحت رأسى للوراء أحاول تخيل أيمن صاحب المؤهل الأدنى, الذى لم يسعه أن يخبر أمه عن ما أسماه " التكدير" وصفته وماهيته, أمه الفقيرة التى فارقت السيارة ف منتصف الطريق الماطر شديد البرودة. ايمن الذى لم أعرفه رأيته على وجه أمه فى واحد من أعمق ثنايا وجهها, تأملتها طويلا ونحن نتقاسم الطعام أردد عبارتها " الضنا غالى يا بنتى, ربنا يرزقك وانتى تعرفى ". أيمن الذى يشابهه الكثيرون قابلتهم كثيرا يوم ضربى وضرب أخى, يوم مذبحة الميدان, يوم مقتل علاء, فى مظاهرات الجامعة. كلهم أيمن وكلهم ضنا لأم نقية كندى الصباح, لو علمت ما يفعله ابنها وما يفعل به ، لما تحملت رحلة الإثنا وعشرون ساعة توصله الى مربط خدمته فى جيش وطنه الذى تدعيه وتعود.


مر سنتان على هذه الحادثة ربما عاد أيمن - على إسم الغالى - إلى أمه وربما هب مع الراحلين ، لتتنزل عليك الملائكة يا أمى أينما كنت.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Chevening Scholarship Arabic Guide

Chevening Scholarship Interview Guide

IELTS Passing Brief guide